اعدام شاعربقلم الرائع سيد محمد الياسري
أعدام الشاعر السوري بشير محمد العاني ونجله
بقلم : سيدمحمد الياسري
..............................................
على ضفاف نهر الفرات ، رقدت زوجته أماني في نهاية رحلتها مع مرض العضال، لتغتال كل أمانيه وهي تغمض عينيها ، وفارقت بشيراً، بعيدا عن سفر الأوجاع ، الذي ظلَّ مع زوجها ، منحنيا مع القبر رافضاً الخروج من دير الزور بعد ان مسكت به قبضة داعش ، وبين حصار داعش الشرس ، بقى يسقي بيده قبر زوجته من ماء الفرات ، وبدموعه يغسل مرمرة الاسم ، لم يستطع ان يغادر كل الذكريات بين ذكرى الطفولة وكف المدينة الصغيرة الذي يمسك بالفرات بين ضفتيه ، لم يكن كباقي الشعراء الذين ركبوا مراكب الخوف في بحر إيجة أو الأبيض، ولا زخوا مدائح التوت ، لحكام قد شاركوا الجميع في تمزيق بلده ، في عام ١٩٦٠م دخل النور في عينيه وصرخ الطفل بشير من نور الشمس والحياة الجديدة في بيت محمد العاني ، ليختم حياته على ابشع مجرمي البشرية داعش في الخميس المصادف ١١آذار٣/ لعام ٢٠١٦ ، ليغتالوا قصيدة دير الزور الذي القى قبل عام محاضرة فيها عن القصيدة التي لامست قلوب أهل دير الزور بين التدوين والشفوية ، أعدم بتهمة (( الرِّدة)) وما علم القاتل انه المرتد ، وأفتى بما يفتي الشيطان، لينهي حياة الشاعر التي بدأت ، وينام مع نجله الذي لم يصل قمره للعشرين ربيعا ، لتخضر به ارض سوريا ويعود أقحوانة يشم عطر من لامست يديه ورقها ، فيعود بقصائد بشيرا للحرية بشير.
عرفت قصائد بشير العاني ، بجمال الموسيقى ، وعمق المفردة ، وبغنائيتها ، قريبة من الروح ، ينتقي الكلمة من سليقة العربية .
أصدر العاني ثلاث مجموعات شعرية: "رماد السيرة"١٩٩٣ و"حوذي الجهات"١٩٩٤ و"وردة الفضيحة"١٩٩٤، من قصائده:
منذ الخراب..
منذ نهر من دم وبكاء ..
والمدى ينساب في ضلوع القرى..
تغتال غيمة في صدر عاشقة..
وتذبح القصيدة ..
من الوريد إلى الوريد .
***
منذه..
منذ كرباج يلعلع فوق أجساد الصحاب..
تنثقب الروح ..
تداهم القلب دوريات الحزن
ويندس الشعراء في الكتب الصفراء..
يندسون:
شاعراً إثر شاعر.
وفي قصيدة أخرى، كتب العاني:
نطأطئ الرؤوسَ.. ونمضي..
لا ندري أين نُسقِطُ آخر الدّمع
وأين تدمعُ فينا عناقيدُ الختام..
نخالُ الحرابَ نجوماً.. نقول "هنا يستريح الغريب"..
فلا نستدلُّ إلا على جثث الرفاق
نقول هنا.. بعد طعنة في الظهر..
أو طعنتين..
هنا.. بعد أن نمشي وراء جنازة هذي الأرض أو تلك..
هذا الشعب أو ذاك..
هنا يستريح الغريب
هنا.. بعد أن تكلّ عصا الطاغية.
وآخر ما كتب ليختم حياته بتلك الكلمات
((
يا أماني
مايخفف عني أني استطعت أن أحفر لكِ قبراً وأن أهيل التراب على جسدك الجميل..
بلى.. هذا ما يخفف عني الآن وأنا أراقب الأجساد المعلقات على الأعواد بانتظار شفاعة الأمهات كيما تترجّل.. هذا إن بقيت للأمهات هذه الأيام شفاعة لدى أمراء الحرب،(حجّاجي) العصر..
وبالذعر البشري الذي تستطيعه روحي أفكر بالجثث المرمية في المدن والمزارع والبلدات.. جثث برؤوس وبلا رؤوس.. من سيأبه بها أكثر من القطط والكلاب الشاردة..
و(الحقَّ أقول لكم..
لا حقّ لحيّ إن ضاعت في الأرض حقوق الأموات..)..
وآخر ما ألقى من قصائد
(( الخاسر" جاء فيها:
"لهكذا حزن أسرجتني أمي
يا عكازَ وقتي الكفيف..
ويا مقاعدي على أرصفةِ التعبِ الطويل
هـا أنـا
أنا العاثرُ بجماجم اتزاني
الشاغرُ إلاّ منكِ
أبحث عن صرّةٍ لملمتِ فيها أوجهي التي أنسربت
لملمتِ فيها براءتي
خسائري
أنا الذي قايض الطمأنينة بالهزائم".
ودع بشير العاني الحياة ولا نعلم اي قصيدة تلاها حين تلت البندقية رصاصات نهاية حياته ، وأي رثاء رثى نفسه بعدما كان يرثي ( أماني) واي حزن يعتريه واي كلمة تأويه في الخلد ، كل هذا لا نعلمه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق